يتشارك الأخوة معظم أوقاتهم بأدائهم لكثيرٍ من الأنشطة معاً على الرغم من سواد فترات من التوتر بينهم بسبب مشاجراتهم. هذه العلاقةُ الأخويةُ علاقةٌ طبيعيةٌ بكلِّ ما تحتوي من لحظاتِ محبَّة ووفاق وخصام وشجار.

وكأية علاقةٍ ثمة تأثيرٌ متبادلٌ يؤدي دوراً مهماً في تنمية شخصية الطفل وإدراكه المحيط الذي يعيش فيه. تؤثّر علاقةُ الأُخوة بعضهم مع بعض في تنمية إدراك الطفل للعالم الخارجيِّ المحيط به، وتُكسِبه الخبرةَ الأولية في الحياة الاجتماعية والعاطفية والمعرفية والأخلاقية؛ إذ تنشأ هذه العلاقة وتتطوَّر بواسطة تفاعل الأخوة مع بعضهم عند اللعب، وعن طريق التعاون والنزاعات والخلافات ومراقبة بعضهم بعضاً؛ ما يساعد الطفلَ على فهم أفكار الأشخاص الآخرين ومشاعرهم ونواياهم.

وقد أكّدت دراسةٌ أن اللعب يزيد من فهم الطفل مشاعرَ الآخرين؛ ما يساعده على كيفية التعامل معهم، وينمِّي لديه روحَ التعاون. ومن جانب آخر تزيد النزاعات والخلافات قدرةَ الطفل العقلية على البحث والسعي لإيجاد حلولٍ منطقيةٍ لمشكلاته، علاوةً على أنها تُسهم في ضبط مشاعر الطفل وتَحكُّمه بها. ويميل الأخوة إلى تقديم الدعم العاطفي لبعضهم عند تعرُّض أحدهم لموقفٍ مزعج.

وهنا يجب التنبيه إلى ضرورة عدم مبالغة الأهل في التدخل لوقف نزاعات أطفالهم لما لذلك من آثارٍ سلبيةٍ مخالفةٍ لنواياهم في الحفاظ على السلام العائلي؛ إذ تُعَدُّ محاولةُ الطفل لحلِّ مشكلاته فرصةً ذهبيةً ليمارس التفكيرَ المنطقيَّ وحده. في حين يحدُّ تدخُّل الأهل وتقديمُ الحلول الجاهزة من فائدة اختلاف وجهات النظر في تنمية عقول الأطفال.

لكنَّ هذا لا يمنع كون هذا التدخُّل إيجابيّاً في تحسين نتائج النزاع عندما يدير الأهل عملية التفاوض مع ترك خيارات الحلِّ بأيدي الأطفال وتجنُّب الانحياز لأحد الأطراف.وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن عاملَي العمر والجنس يؤثّران في تنمية جوانب محددةٍ أكثر من سواها لدى الأخوة وفق ترتيبهم بين أخوتهم؛ فالطفل البكر يميل إلى القيادة ويؤدي دوراً في تعليم أشقّائه الأصغر سنّاً؛ ما يزيد من قدرته على السيطرة والتأثير في الآخرين. ويميل الأخوة الأصغر إلى تقليد أخوتهم الأكبر سناً والتعلّم منهم، فيكتسبون معرفةً لغويةً واجتماعيةً أكبر. وفي ما يرتبط بالجنس يُلاحَظ أن البنات أكثر ميلاً للانخراط في أدوار الرعاية من الأولاد؛ ينمِّي هذا قدراتهم العاطفية.

وفي سياق دراسةٍ أخرى بحثت في النزاعات بين الأخوة وعلاقتها بعمر الأطفال؛ وُجِدَ أن لهذه النزاعات تأثيرٌ أكبر في الشعور بالذنب وتأنيب الضمير عند الأطفال الأكبر سناً، ما ينعكسُ على تطوّرهم الأخلاقيِّ بواسطة الوعي لمسؤولياتهم تجاه الأخرين، وتجنُّب التصرفات غير المقبولة اجتماعياً. وكان لديهم في الوقت نفسه قبولٌ أكبر من أصدقائهم. أما الأطفال الأصغر سناً؛ فقد وُجِد لديهم مستوياتٌ أقلُّ من التطوّر الأخلاقي مقارنةً بإخوتهم الأكبر. وقد لُوحظ أن النزاعات بين الطفل وأصدقائه عجزت عن توليد التأثير نفسه مقارنةً بالنزاعات بين الأخوة.

وبدراسةٍ مشابهة تعتمد على مقارنة نظرية العقل Theory-of-Mind) ToM) لدى الأطفال الذين لديهم أخوة مع نظرائهم ممن ليس لديهم؛ كانت نتائج هذه الدراسة كالآتي: ToM أفضل عند الأطفال ذوي الأخوة، ويعود ذلك لقدرتهم على إيجاد شريكٍ يقضون معه معظم وقتهم في اللعب والتعاون والنزاعات.

والجدير بالذكر أن نظرية العقل ToM تعرِّف قدرة الطفل على إدراك رغبات الآخرين ومعتقداتهم وأفكارهم إضافة إلى فهمها مع اختلافاتها. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن عمر الأطفال كان ذا تأثيرٍ كبيرٍ على ToM عند الأخوة. فعندما يتعامل الطفل مع أخيه الرضيع فإن العلاقة تتمحور حول الاهتمام والرعاية وليس التعاون واللعب اللذَين يُشكّلان العاملَين الأساسيَّين في تطوير ToM لدى الطفل، ويغدو مجال التفاعل بينهم أكبر مع تقارب العمر بينهم.

ويمكن القول ختاماً إن علاقة الأخوة تُعدُّ أول تجربةٍ للطفل لاكتشاف العالم الخارجي وتعلُّم كيفية التعامل والتأقلم معه، ويتمثّل دورُ الأهل بألا يحدُّوا من هذه العلاقة عند منعهم من النزاع أو اللعب، لما لها من أثارٍ إيجابيّةٍ في تنمية الطفل.

المصدر: مباردة الباحثون السوريون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.